الصحافة المتخصصة تصنع الخبر .. صاحبة السعادة لن تودع المشهد الى الأبد
حسين الذكر
في مؤتمر صحفي انعقد في باريس قبل عقد من الزمن – تقريبا – تم فيه مناقشة مستقبل الصحافة الورقية وآخر سبل النجاة التي ينبغيطرحها او التطرق اليها من اجل وقف تنوسامي المد الالكتروني ولو تحت عنوان الغيرة الصحفية الجامحة في منع من يجتاز حصون صاحبةالسعادة . بعد طول نقاش وطرح اراء جميعها كانت تتعلق شغفا بالمهنة وتتحدى تحت عنوان الهيام الصحفي الآخر بكل مسمياته بضرورةاحترام الصحافة الورقية وتاريخها وتاثيرها العالمي الذي يخشى عليه ان ينزع عنها تاجها المتربع على العرش منذ ثلاثة قرون تقريبا ..
في تلك الأجواء ومع التجاذبات والآرء المهنية المتخصصة لكن ثمة راي فرنسي طغى وخيم بوجوم على المشهد حينما قال : ( ان الصحافةالورقية تحتضر وعملية انعاشها لا تتم عبر المعالجات التقليدية .. فثمة حاجة ماسة الى اختراع جديد والا فاننا سنمشي حتما مع موكبالمشيعين ) .
سنوات خلت والصحافة الورقية وبعد طول عمر شاخت وسادت فيه تعيش منذ مدة .. تحديدا في السنوات الأخيرة تحت المجهر العالمي وهيتجمع خبراءها واحبائها وهم يجدون متحدين لتحدي اعصار جائحة الكومبيوتر وفايروس التواصل – ان جازت التسمية – ..
منذ الطين السومري والكاتبة البسمارية او الالواح الصورية النيلية مرورا بظهور الطابعة وانتشار الصحافة لم تلق الكلمة المكتوبة على الورقصعوبة تنفس كما تلقاه اليوم جراء تنافس الاعلام الرقمي الذي اجتاح الميدان وغزا بادواته وابتكارته الصحافة التقليدية حيث تغلغل بكلجسدها مقطعا الأخبار والمعلومات والصور وكل المشاهد المنقولة عبر الكرة الأرضية، اذ تم انتزاع جمهور الصحافة الورقية بشكل مرعب لميعد منه مناص في ركب الموجة والبحث عن بدائل جديدة يكون فيها الراي والكلمة والقلم مكانة لا يمكن منازعتها تحت كل الظروف .. فانضاعت من الصحافة مكانة السبق الخبري .. سيبقى الرأي والرسمية والجدية والتحليل والتنبيء والقراءة والتأثير … قائمة لا مناص ولا بديلعن تاج الصحافة فيها .
مع ان الردود والاراء لم تصل حتى الان … وبعد عقد من ترنح الصحافة الورقية على صفعات تقنيات النت وتفرعاته ومشتقاته ومع المقاومةالشديدة التي جعلت الورقية صامدة في التاثير – في الأقل – كهوية صحفية مؤسساتية ، تكاد تحمل صبغة شبه رسمية – الا ان اغلب الآراءتتفق ضمنا على ضرورة التحول الرقمي والاستعانة بالالكتروني اذا ما اردنا الاستمرار شريطة إعادة النظر في المحتوى بما يتماشى معالتحول العالمي والموج الانترنيتي الكاسح والتعايش وفقا لمتطلبات الذوق العام الجديد في ظل قرية جديدة ..
وجهة نظر أخرى داعبت الامال الصحفية والاقلام الحية حينما شدد راي معتبر على موت الصحافة الورقية : ( هو موت للأدوات لا المحتوى) .. بمعنى ان الفكر والقلم لا يمكن ان يموت بل سيبقى حي صانع للحدث والراي اذ لا بديل عن العقل الإنساني والموهبة الحرفية في ظل إمكانيةالتكيف والتحول بما يتناسب مع التغيير الذي يضرب عمق العالم القديم .
كما توقع عالم المستقبليات الأمريكي داوسن قبل عقد من السنوات أن يشهد عام 2022 موت الصحافة المطبوعة الى الابد .. لكن الورقية مازالت حية برغم نسب خفض الاقبال والتاثير . فيما توقع فيليب ميير في كتابه “نهاية الصحيفة” ان يكن عام 2043 شهود اخر صحيفةورقية في أميركا والعالم في جلجة محزنة لعشاق الصحافة ومرعبة لاهل المهنة .
في وجهة نظر عربية صرفة أكد الأستاذ ماجد الخليفي رئيس تحرير استاد الدوحة الالكترونية الشهيرة ان الصحافة تشكل حجر الأساسفي مجال الاعلام الرياضي رغم الثورة الالكترونية الذي حدثت فيه .. وهنا يقسم الخليفي بقصدية واضحة ورؤية مهنية وواقعية تتجلى فيمحيطنا العربي والخليجي المحتوى الصحفي الى رياضي واخر يشمل مجالات الحياة .. مستنبطا الهيمنة الرياضية باعتبارها هويةحضارية لمستقبل اصطبغ بالرياضة ليس كميدان تنافسي انجازي فحسب بل ان محتوها وتاثيرها كادة واضحة لدبلوماسية ناعم أعطاهازخما تجلت فيه حياة الصحافة بوضوح واكثر قدرة على تحدي المعطلات .
مضيفا لقناة عُمان الرياضية : ( ان الصحافة الرياضية في كل مكان ستظل الصوت الاعلامي حتى مع تغيير أدوات ومنصات التواصلالاجتماعي بين الناس .. اذ ان التحول الرقمي للصحف أصبح مطلوباً في جوانب عديدة من بينها سرعة مواكبة الأحداث ونقلها للمتلقيووجود سبل التحري من دقة وأمانة المعلومة الرياضية ، بصورة سيجعل من الصحف المتخصصة ان تكون صانعة للخبر فيما ووسائل الاعلامالأخرى تنقله عنها ). مسحة الامل هذه لم تات اعتباطا ولم تكن وليدة مقطع وتاثير رياضي وشهرة مهنية بقدر ما آلت اليه كوجهة نظر – فيالأقل عربية صرفة – تعيش وتواكب الرياضة وتاثيرها المتبادل مع ملفات حياتية أخرى جعلها ان تكون قادرة على الاستقراء من واقع نعيشهحقا لا نحلم فيه .
النتيجة التي وصل اليها الخليفي معززة برؤية وأرقام واحصاءات مهنية جاء فيها او مفادها : ( ان متابعي الرياضة العرب في كل مكانأخذوا يهتمون بوجود التنوع في التغطية الاعلامية خاصة وان قطاعاً واسعاً منهم يهتمون بالكرة العالمية ويتابعون أخبارها ما يعني انالبحث عن المادة العالمية والعربية بات مطلوباً بجانب المادة المحلية ). هنا تكمن صلب قضية أخرى ينبغي دراستها والتامل فيها ومن ثمالالتفاف قبل الالتفات لها لجعل الهدف صحافتنا واقلامنا وعقلياتنا ومهنتنا .. قبل أي شيء اخر … واء كان ورقيا او رقميا .. من هنا ينبغيان نرى الامل ونتشبث فيه حد الاحياء والعيش بتباشير الحياة الصحفية .